اجابة على تساؤلات

سالتني ابنتي ما معنى مضغة مخلقة وغير مخلقة في آية 5 من سورة الحج ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ”.

وسألتني عن سبب اختلاف مراحل نمو الجنين في سورة الحج والمؤمنون.

أولا:

صفة (مخلقة), اي قد أصبح فيها خلايا ذات مزايا متطورة أو مختصة, فكل خليه في جسم الجنين والانسان المتكامل تحتوي على كافة الجينات في الجينوم البشري سواء كانت خلية دماغية أو جلدية او عظمية … الخ

وهذه  الخلايا الجذعية عندما تتجمع لتشكل عضو ما مثل الكبد فإن خلاياه سوف تفعل جينات بعينها التي تؤدي وظيفة  خاصة بالكبد وهناك خلايا يؤسس لنمو الاوعية الدموية واخرى خلايا دفاعية … الخ أي ان الخلاعيا الجذعية هي خلايا اساسية أو أوليه ومنها تحصل الخلايا التي يتخلق منها الاعضاء. فهل نعتبر الخلايا الجذعية الموجودة في الجنين من الغير مخلقة؟ أم ان هنالك ايضا في المضغة (ومعناها اللحمة التي بحجم ما يمضغ من اللحمة – وفي الواقع ان حجم الجنين في الاسبوع الثامن اي 56 يوم يكون بقدر حجم حبة الفاصوليا – علما ان المضغة تكتمل في الاسبوع السادس اي 42 يوم – وقال علماء الفقه ان المضغة تكتمل في اليوم الاربعين حيث ينفخ فيها الروح ويبتدئ تشكيل العظام … ونحن نعلم ان نمو الجنين بتم بسرعة كبيرة ففي خلال 4 اسابيع يكون الجنين واضح المعالم خارجيا, وبالداخل بداية لاعضائه, وحجمه مثل (حبة  السمسم), نعود الى المضغة, ففي اول الامر يكون غذاء الجنين من خلال الكيس الصفراوي Yellow Sac وفيه تنمو الاوعية الدموية للتغذية أيضا, وحينما تظهر الـ Placenta ينتهي امر الكيس الصفراوي ويبتدئ بالضمور ويختفي بعد الاسبوع العاشر – الثاني عشر.

ثانيا:

كما معروف ان القرآن يأتي بكلام عن موضوع ويؤيده بصورة جانبية بما يعرف عامة الناس أو صار لديهم علم به … ففي سورة الحج خاطب الله في القرآن الناس ولم يخصص المؤمنون, لان المؤمنون قد أمنوا بالبعث من أول الامر. ولكنه هنا خاطب الناس كي يؤمنوا به عن طريق إراءتهم انه قادر على بعثهم بميثالين, الاول قدرته على خلقهم ونموهم واماتتهم, والثاني بعثهم كما بعث الزرع في أرض هامدة بعد ان امطرها ماء (أكانوا يعرفون ان هناك بذورا سابقة هامدة في الارض؟؟).

ثالثا:

إذا أردنا ان نودع في أنفسنا الاعتقاد بإن ما ذكر في القرآن عن كيف خلق الله آدم, قد تأيد في الوقت الحاضر بالعلم ونظرياته … علينا ان نفكر بصورة علمية وأول شيء ان يعتقد ان الله عندما يقول انه قادر على كل شيء وانه يقول للشيء كن فيكون …. فإن الله الذي خلق الكون في لحظات لم يحدث كل شيء فيه في نفس اللحظات, وانما اخذ وقتا لكي تكتمل العلميات الفيزيوكميائية والبارئ قد صمم ذلك ويعرف ماذا سيحصل ولديه العلم (في اللوح المحفوظ) في الماضي من الزمن والحاضر والمستقبل … نعم له المعرفة في كل ورقة نبات تسقط في اي مكان وسببها وما يحدث لها ومآلوها وأين تذهب مركباتها الكيمياوية … ويعرف افكار اي شخص منذ فجر التأريخ حتى يوم القيامة وما قام وما لم يقم به … أي انه تعالى يعلم ما في انبوب الزمن من حوادث واعمال وافكار في كل لحظة منه (انبوب الزمن هو حزمة المعلومات عن كل ما في الكون وسيرة كل ما فيه خلال مكوثه ومصيره – ولعل انبوب الزمن هذا هو اللوح المحفوظ), “بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ”.

الانعام رقم 59 (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِيكِتَابٍ مُّبِينٍ(.

وأيضا “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”  إن الله اخبر الناس أيام الرسول بقرآن مجيد – لوح محفوظ – انزل الذكر … فهل عرفوا؟ بل هل نعرف نحن حاليا ماهية هذه الاشياء الاربعة؟؟ وكثير غيرها في القرآن.

لماذا قد ذكر التراب في سورة الحج باعتباره المادة الاساسية في خلق البشر وذكر في سلالة من طين في سورة المؤمنون؟ الطين متكون فيزياويا من تراب وماء ومعلوم ان الماء اصل لخلق الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)

يعتقد علماء الدين بأن الله قد خلق الانسان واكمله في لحظة واحدة وهذا ليس بعيد على الخالق القادر … ولكن العقل العلمي قد يصور ان امر الله قد كان مخططا له وان الاحداث في الكون ومنها الارض وما بيها منوط بقوانين وضعها الخالق وتحدث في ازمانها المقررة.  والعلم يقترح ان الحياة بدأت بعمليات متتابعة عبر زمن طويل … عمليات فيزيوكيماوية … تراب وماء ومركبات كيمياوية وخمائر واشعة الشمس … الخ وبسلسلة من التطور انتصب الانسان بشرا قائما بذاته … هل الاعتقاد بذلك كفر؟ ام مجرد توضيح وتقريب الفكر العلمي من المنطوق القرآني!!

رابعا:

على سبيل التذكرة, فإن الله قد ذكر خلق الانسان من تراب وذكر بعض مراحل نمو الجنين وما سيجري على الانسان من بعض الامور الى انتهاء حياتهم (لم يذكرهم بالموت) ولكنه ذكرهم ان الله يتابعهم لان ذلك مكتوب عنده سلفا – كما ذكرنا في ثالثا – في اللوح المحفوظ (لدى الانسان الان اجهزة متطورة لكل شيء ومجالات الحياة على الارض وفي الفضاء الا تفكر ماذا لدى الله) وانه سوف يكون لهم متابعة يوم القيامة.

كل شيء مكتوب عند الله حتى ما بعد انتهاء الحساب.

الاصل والاساس في حياتنا الحالية والكون هو الايمان بالله الواحد القادر وعليه وما يخص الانسان هو الايمان بالخلق والبعث. هي الرسالة التي يريد الله ان ندركها والاعتقاد المطلق بها … وبعدها يأتي ما يريده الله السلوك الانساني ومنه وفيه أسلوب العباده له وعلى رأسها الالتزام في العمل على اغناء الحياة الحاضرة وتطويرها وتطويعها بالاكتشافات والاختراعات

والاعتراف بالبعث هي الغيبية الثانية بعد الايمان على كل مؤمن بالله كخالق وحيد ان يؤمن بها لانها الركيزة التي تجعل من الانسان في عقله الباطن ان يفكر مرتين قبل ان يخرق السلوك الانساني.

والبعث هو اساس يوم الحساب … والحساب يحتاج الى معرفة كل شيء عن الانسان المحاسب وكل ما فعل وما لم يفعل, كل شارده ووارده … وبالطبع فإن الله قد اخبرنا انه عندما تنتهي حياة اي انسان في هذه الحياة الدنيا فأنه يأخذ منه النفس التي تذهب الى برزخ تنتظر يوم الحساب. والنفس – كما اراها – هي ذاكرة الانسان الموجودة في الخلايا العصبية في الدماغ بصورة رئيسية وباقي الخلايا الاخرى في الجسم مع الجينوم (مجموع الجينات) الخاص بهذا الانسان … وتحصل الحاسبة … وقد تتجسد النفس كما اعتقد كـ Hologram  أو صورية. بعد الموت أو يوم القيامة. وكل الغيبيات تبقى كذلك ما لم تنضوي في معتقدات فكر او عقل الانسان … ونفس الانسان هي العقل الذي فيه ما فعل في حياته بالتفصيل وعلى ذلك يحاسب يوم القيامة.

ختام:

لو امعنا النظر الى ما في القرآن ككل لوجدنا آيات كل سورة متماسكة, وهناك ايضا اتصال بالمعنى بين آيات اواخر كل سورة مع آيات اوائل السورة التي تليها, هذا سياق القرآن … وفي كثير من الايات تتكلم عن موضوع ما نجد بين آياتها آية مختصرة لكلام يؤزر هذا الموضوع, وهذا ما حدث في السور الاربعة التي ذكرت مراحل خلق الجنين (الحج, المؤمنون, غافر, فاطر). ان موضوع نمو الجنين واضح في سورة المؤمنون. والامثلة على ذلك كثيرة كما تناثرت قصة النبي موسى في كثير من السور ولكنها في سورة الاعراف توصيف هواهم مافي حياة موسى وفرعون, ولكن ما في مولده ونشأته….الخ في سور اخرى فقد ذكر اسم موسى في القرآن 136 مرة ومجموع كل جزء في آية قصة هي تكاملها, ولكن هناك قصتين شبه كاملتين الاولى للنبي يوسف والاخرى لمريم… فلماذا؟ ويجدر بنا ان نجد تفسير لذلك!! وقد يكون ذلك سهلا على المطلعين.

إنني اعتقد انه لا يوجد اختلاف مطلقا في مراحل خلق جنين الانسان في سورة الحج والمؤمنون. والفرق بين التراب والطين هو وجود الماء في الحالة الثانية. والتراب يسبق الطين.

هل انتهى خلق أدم بالطين؟ بالطبع لا فما هي الخطوات التالية؟ لم يعرفنا الله بها. وتقديرا من العلماء الاكاديمين فإن الخطوة التالية تشكل حياة من طين ومركبات كيمياوية تصبح بايوكيماوية ثم تشكل مركبات تؤدي الى حياة أولية … الخ ثم يأتي دور الانسان… ومن ثم خلق باقي الخلق من التقاء البيضة بالحيمن وتخصيبها وتكون الجنين كما نعلم … وما دام القرآن فيه غيبيات كثيرة وما دام كلمات كانت كتلك التي يستعملها عرب الجاهلية, هناك حتما اسئلة يحتار من يريد معرفة كل شيء عما يقوله القرآن نصا.

اعتقد ان على الانسان ان يضع الغيبيات جانبا ويتجه الى العلم والمعرفة بفك طلاسم المخلوقات الحية وغير الحية وما في الافاق … وسرعان ما يعرف الانسان اسرار الغيبيات واحدة بعد الاخرى وبنهاية ذلك معرفة الله.

 

«العودة