خاطرة عن النفس

معظم سورة المدثر تتكلم عن الكافرين بإنذار شديد, وما سوف يتلقوه من حساب عسير في الاخرة, وقد اقسم الله تعالى في الايات ٣١-٣٤ بالقمر والليل والصبح اتبعها انذار للبشر كافة واعطاهم الاختيار: اما ان يؤمنوا او يكفروا به أية ٣٧, ثم اتبعها بالاية ٣٨ بتقرير واضح عن كيفية محاسبة الانسان واستعادة ما فعل (كل نفس بما كسبت رهينة), وان أصحاب اليمين (المؤمنون) فهم في جنات الله ماكثون اية ٤٠, لانهم قد شاءوا ان يكونوا من المؤمنين اية ٥٥, ولكن ذلك لم يكن ليحدث إلا لان الله قد شاء ان يكونوا من اهل التقوى واهل المغفرة, اية ٥٦.

هنا نلاحظ امرين يثيرين الانتباه الأول منح الله البشر حرية الاختيار لاي امر يصادفه ومن ذلك هو اختيار الايمان بالله او الكفر به او من عدمه … والامر الثاني ان الله سوف يحاسب البشر عما سيختار … وذلك بإن كل شيء قد فعله الشخص هو رهين عند الله لانه نفسه سوف تعود الى الخالق فهي تملك كل شيء صغير او كبير مما كان يفعل الشخص, كل شاردة او واردة. كل ما صدر عنه فعلا او قولا او ما قد اضمر … والنفس لا تفنى لا نها تذهب الى السماء … والنفس قد ذكرت في القرآن مع مشتقاتها حوال ٤٢٠ مرة … يتحدث عنها كمسؤولة عما يفعل الانسان واحاسيسه وتفكيره … الخ, فما هي النفس وكيف يراها العلم؟

كل انسان بدأ ببويضة (من انثى) مخصبة بحوين منوي (من ذكر) وتحتوي على جينات (وهي أساس نفس الانسان) نصفها من الام والنصف الاخر من الاب. والبويضة (الخلية) تهيء المتطلبات التي تهيء لها استمرارية فعالياتها بإعطاء الأوامر لتكوين جنين بانقسام الخلية … وعند اكتماله يخرج من رحم الام مولودا … الذي لديه نفس (جيناته الخاصة به) والتي تبتدئ باكتمالها بالتدريج باستقبال معلومات تدخل الى الخلايا العصبية من خلال الحواس الخمسة دون ادراك المولود الذي امتلك قابلية البقاء على الحياة بكيفية الرضاعة والحركة والبكاء (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها).

وبتجمع المعلومات وعبر الوقت وتقدم العمر يكتسب الانسان ما نسميه العقل (وهو فعلا الذاكرة التي تتجمع عن طريق الحواس الخمسة) … من هذا ندرك ان النفس مكونه من فعاليات الجينات, زائدة فعاليات الذاكرة, التي هي العقل الباطن (الذي يشمل الادراك والافعال الصادرة عنه المتزنة من خلال قشرة الدماغ الرمادية + فعاليات الدماغ الوسطي المتحكم بالعواطف على اختلافها). ويشترك العقل والجينات على إرساء الفعاليات الخاصة بوظائف وأجهزة الجسم الارادية واللاارادية بما فيها فعاليات العقل الواعي (وهو افراز من العقل الباطن). 

وهنا ندرك ان نفس الجنين ونفس الطفل غير متكامل لان الادراك العقلي (معلومات الحواس الخمس) منقوص. وعلى نفس الغرار فإن نفس المجنون والانسان الغائب عن الوعي والمدمن مخدرات ومن يمشي وهو نائم … هم اشخاص غير مسؤولين عن افعالهم (نقص الوعي وعدم تكامل العقل) والباقي من البشر يعرف ما يفعل وما يقول وما يضمر

(بل الانسان على نفسه بصيرة * ولو القى معاذيره) القيامة (١٤ و١٥). 

ولابد من ذكر كلمة عن الوعي المنقوص كما ذكرنا … إضافة الى ان الوعي قد يذهب وقتيا مثل النوم وتحت التخدير العمومي, فتكون النفس غائبة بذهاب الوعي … وان كان ذهاب الوعي لارجعه فيه مثل خلل دماغي لاي سبب فيسمى (الموت السريري), او عند الوفاة ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون) الزمر ٤٢.  فالوفاة بيد الله تعالى.

ولابد ان نذكر ان الوعي قد يكون منقوصا مثل حالات التخدير غير الكامل او إصابات الرأس تحت الشديدة.

ولازالت الدراسات العلمية تجري في كثير من البلدان المتقدمة وهم متفقون على ان مكان الوعي هو في خلايا المخ تحكمه الجينات.

سالم مجيد الشماع

بغداد ١\١٠\٢٠١٩

«العودة