القدرات العقلية والجينات

نشرت هذه المقالة على جزأين في مجلة نصف القمر في العددين 77 و78

مايستطيع العقل ان يفعله ليس له حدود واضحة المعالم

فالعقل يستطبع ان يفكر باي شئ كما يشاء ,او كما تاتي اليه افكار قد تكون غريبة عنه وعن مجتمعه ، او بعيدة عن السلوك المعتاد او عن المنطق

يستطيع العقل ان يتخيل أي شئ له علاقة بمحيطه او غريب عنها ، يبتدع عالم خاص لا وجود له … وقد يستطبع حل مسائل معقدة او حالات عويصة الفهم … قد يعتقد بامور غير واقعية .. ويؤمن بغيبيات ويقتنع بها ويزيد عليها .. وقد تتغير افكاره من مبادئ تحزبية راسخة الى قناعات رافضة او مناوئة لها … او قد تزداد قناعاته بتلك الامور.

وقد وجد كثير من العلماء في العقود القليلة الماضية ان –

  • العقل قادر على التمسك بعقيدته بحيث يؤثر على سلوكياته، والتاثير على اجزاء من بدنه كما يريد
  • العقل يستطيع ان يؤثر على المناعة الذاتية للجسم سلبا ام ايجابا
  • العقل بامكانه ان يؤثر على كمية افرازات الهرمونات في الجسم

قبل ان ندخل بمناقشات حول موضوع العقل والجسم ، نؤطره بكيفية قيام اجهزة الجسم بوظائفها على النحو التوافقي.

هناك ثلاث قوى تحكم الجسم وهي الجهاز العصبي المركزي ( وهو بؤرة العقل) وجهاز الغدد الصماء وجهاز المناعة العامة.

عندما تعمل هذه القوى بصورة متماسكة متفاعلة ومتطابقة مع بعضها فانها بالتاكيد سوف تؤدي الى جسم يصمد للمتغيرات الطارئة ويعدل وظائف وفعاليات اجهزة الجسم الى المسار الصحيح

  • يدخل في هذا المجال الفرضية التي تقول ان العقل والبدن بينهما ارتباط وثيق ، وان المناعة النفسية العصبية Psychoneuro-immunity، ومديات الطب الذهني الجسدي

(مجموعهما يمثل العلاج الذاتي ) .. هي عملية تاثير فعاليات العقل على تغيير حالة المرض (النفسي او المادي او المشترك) .

كما يلاحظ ان العلاج الذاتي يعنمد بصورة كبيرة على القوى الثلاثية آنفة الذكر ، ولا بد ان نعترف بان العقل هو المحرك الكبير للهرمونات والمناعة ،وعليه فان قوة العقل هي الاساس

(( اراء حول الموضوع قام برصدها وتحليلها الباحث جورج انجيل من جامعة ونشستر الذي اكد ان صحة الفرد ناتجة عن تاثير المورثات والبيئة – الجراثيم والطفيليات والضغوط النفسية والعوامل الاقتصادية واثار الشدة وسلوكيات المجتمع …الخ – وكذلك ماابداه كل من ديبرا بروس و الدكتور هاريس مايلوين حول العلاج الذاتي ))

  • لا تكتمل مناقشة الموضوع الا بذكر اهمية معرفة العقل الواعي والعقل اللاواعي (الباطن) والعلاقة بينهما ، العقل اللاواعي هي المكنونات التي ترسب باعماق الخلايا العصبية في الجسم وخاصة الدماغ منذ ولادة الانسان وحتى اثناء وجوده في الرحم ، ويتم تداولها ومناقشتها وجدلها بين هذه العصبونات دون ان يكون لها حضور واضح على الوعي .

ويقول علماء النفس ان الانسان يستطيع تغيير كثير من سلوكياته وارادته وقناعاته وجهوده الفكرية ومستوى الذكاء لديه ولكن بقدر تاثير العقل الواعي على العقل الباطن

  • وان تطوير الذات هي عملية تغيير أي وظيفة بايولوجية للجسم من خلال سيطرة العقل الواعي على العقل اللاواعي، الواضح ان العقل الواعي لديه معطيات واعمال كثيرة نادرا ما يبادر الى ان يركز تفكيره على ما يجري في جسمه من امور وفعاليات وظيفية، مثل نبضات القلب او تغيرات في التنفس او وظائف البروستات او السيطرة على الام عضلية او مفصلية او افعال ايضية .

ومناجاة العقل الباطن يتم بممارسات عديدة  منها التامل والايحاء وتفعيل القوة السايكولوجية للعقل الواعي للهيمنة على وظائف الجسم ( ولابد ان نتذكر افعال كثير من الناس الذين لديهم القدرة على تحريك الاشياء والسيطرة على التنفس والبقاء في الماء مدة من الزمن  طويلة نسبيا او تنزيل حرارة الجسم او السير على الجمر …الخ )

  • لا يوجد شك بان العقل ومقامه العصبونات والتي تعمل بواسطة الجينات والتي تعتبر  سر الحياة أي ان العقل لا يتمكن ان يتكامل الا عن طريقها .

افلا يجدر بنا معرفة ماهيتها وهي التي تسيطر على الانسان وهل من الممكن له أي الانسان السيطرة عليها ؟!

معلوم ان كافة خلايا جسم الانسان التي فيها نواة تختزن نفس العدد من الكروموسومات ونفس عدد الجينات، كل جين له اوامر ثابتة ، عند تفعيلها تقوم الخلية بانتاج البروتين المطلوب وبصورة مبسطة فان المعلومات البايولوجية تنتقل من الDNA الى الRNA وفي سايتوبلازم الخلية ينتج البروتين المطلوب ، والجينات (باوامرها المشفرة ) اتت من الوالدين ، فلابد للجسم من الانصياع لها .

ولكن في عام 1988 قام العالم البريطاني جون كيرنس بزرع بكتيريا ذات جينات لا تتمكن استغلال وتمثيل اللاكتوز لعملية البناء والنمو والتكاثر لأنها لا تمتلك انزيم لاكتيز الذي يحول اللاكتوز الى مركبات قابلة للنمو والتكاثر ، زرع هذه البكتيريا في صحن بيتري مع غذاء وحيد هو اللاكتوز ، وكان المفروض ان تموت هذه البكتيريا لافتقارها الى انزيم اللاكتوز ، الا انه وجد البكتيريا لم تبقى على الحياة فحسب بل وتكاثرت ، بمعنى ان البكتيريا قد حولت جيناتها الى اخرى قادرة قادرة على انتاج انزيم اللاكتوز المطلوب.

وبمعنى اخر ان مقومات البيئة تتمكن ان تنشط او تلغي اوامر الجينات (بتغير جيني) وهذا ما دعا الدكتور كونستاتين اريكسون لأن يقول ( ان لدينا الحرية ان نقوم باي عمل ضد ما يؤثر على حياتنا وحياة الاخرين ، ما دام لدينا القدرة على ان نشفي انفسنا ونحسن احساساتنا )

  • كان الاستاذ السابق  بروس ليبتون في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا ، مؤلف كتاب بايولوجية الاعتقاد وكتاب التطور  العفوي  يعتقد ان الجسم هو عبارة عن ( ماكنة مبرمجة بواسطة الجينات ) فاذا كان في الجسم خلل او مرض فان امكانية شفائه ممكن بتحوير جزء الجينات الذي سبب الخلل ، وقد يتمكن الطبيب ان يتوصل الى الدواء اللازم لهذا التغيير باعتبار الجسم هو ماكنة ، ولكن الاستاذ لبتون (كان يعتقد ) الا انه يقول الان اننا نعلم وندرك ان البيئة تسيطر سيطرة مباشرة على جيناتنا ، وهذه السيطرة لها القدرة على تغيير الجينات . وان نظرتنا الى ان الجسم هو ليس ماكنة فحسب ولكن فيه عقل خلاق وعاطفة ايضا لايمكن اهمالها – ويعتقد ان الجينات الدفينة في نواة الخلية ليست هي سر الحياة وانما القوة في فعاليات غشاء الخلية التي تلتقط اشارات البيئة بواسطة مستقبلات التي تقرأها الجينات ، وقد تقوم الجينات والخلية باهمالها او الاخذ بها اعتمادا على اهمية ونوع الاشارات ، فمثلا انسان لديه جين السكر الوراثي ، قد لا يظهر عنده مرض السكري ما لم يصاب بالبدانة او يصاب بحالات نفسية صعبة ، وكذلك الحال مع اورام خبيثة .

ويقول الدكتور ليبتون ان صحة الانسان  ليست اسيرة الجينات ما دام العلم الحديث يؤيد      بان الادراك الحسي هو الذي يؤثر عليها

  • ويعتقد ان 98% من الامراض التي تصيب الانسان هي من اثار بيئية والباقي جينية ،وان كيمياء الجسم ومتغيراتها هي العامل الاكبر للاصابة بامراض الجسم ، ويستطرد قائلا – ان سبب تغيير الصحة يكمن في العقل الباطن ، فاذا استطعنا اعادة برمجته سنخلق كيمياء داخلية جديدة قد تؤدي الى شفاء ما قد اصاب الجسم والنفس من خلل .

كما انه قد وجد ان 95% من فعاليات الفكر كالمعتقدات والعواطف تكون تحت سيطرة العقل اللاواعي وهو الذي يدير كيمياء الجسم.

فان كان لدينا فكرة واحاسيس بشئ ما فان القعل الباطن يناقش الموضوع ( من خلال العمليات الكيمياوية بين العصبونات ) فان كانت النتيجة ايجايبة فان الامر يؤدي الى توافق وتناغم بين العقل والجسم ،والا فان الامور تؤول الى احساس بالكآبة التي تسبب اضطراب المناخ الكيمياوي الداخلي للجسم وتتدنى فعالية المناعة وتؤدي الى عدم توازن الهرمونات .

العقل الواعي هو الذي يعطينا القرارات التي ننفذها بالاردة الحرة والشعور واغلبها مكتسبة من التجارب والتعلم ،اما رفيقه العقل الباطن ففيه معلومات هائلة بعضها جينية ، وهو اداة استجابة للمحفزات يقوم بتمشية امور الجسم بطريقة آلية لا شعورية وبسيطرة تامة على كافة مرافق الجسم . كما انه قد اختزن معلومات رسبت في اللاشعور وهي التي اكتسبها اثناء طفولته فمثلا ( عندما يسمع طفل يافع من احد والديه بانه لا يفهم شيئا عدة مرات فان ذلك سوف يبقى يرن في اذنيه وكذلك تبقى كثير من الاساطير والخوف والرهبة وعادات سقيمة في اللاشعور ).

ويقول ليبتون ان التصرفات اللاشعورية ترتبط دون رقابة او سيطرة بالعقل الباطن ذاته ، وان اللاشعور هو اقوى مليون مرة معلوماتيا من العقل الظاهر . ويؤكد على علماء الاعصاب ان 95% من تصرفاتنا تاتي مباشرة من اللاشعور

  • ويعود الاستاذ ليبتون للقول ان الجينات قد تتغير بالادراك الحسي للبيئة بصورة مباشرة وبالاسترخاء وبالتأمل والتي اذا مورست باعتقاد وثقة تامة بمقدرة العقل على تغيير الجينات المنحرفة قد يصبح ذلك حقيقة ويتخلص الانسان من المرض .
  • كما ان الانسان يستطيع التخلص من المعلومات والمعتقدات السيئة  المتركزة او الراسبة في اللاشعور بطريقتين اولاهما : عندما نعطي اهمية لان نكون اكثر وعيا ونقلل اعتمادنا على الشعور المبرمج  ، ثانيهما : استعمال طريقة علاج سايكولوجية الطاقة

لاشك ان كثيرا من الاطباء قد رصدوا خلال ممارستهم الطب كثيرا من الحالات المرضية المستعصية او الموشكة على انهاء حياة المريض ويتفاجئون بشفاء المريض من مرضه تماما (كالسرطان ) دون أي علاج يذكر .

وان هناك افعال رصدت يقوم عقل الانسان بها خارج نطاق المعتاد يسميها العلماء بالباراسايكولوجيا ،وانواع منها  يعتمد على خاصية الخلايا العصبية للدماغ ، وهي خاصية تداول اشارات كهربائية فيما بينها وبين كافة خلايا الجسم ، أي ان هناك سيال كهربائي ترسلها العصبونات باستمرار الى كافة انسجة واجهزة الجسم .

دليل ذلك ان جسم الانسان محاط بهالة من الطاقة الكهرومغناطيسية الناتجة من هذا السيال وقد رصدت فعليا مختبريا وماديا.

الفرضية تقول ان العقل الواعي (وبتوافق مع اللااوعي ) وبتوجيه منه يرسل سيالا من الطاقة الى خلايا بعينها ليزيد من نشاطها … فاذا كانت هذه الخلايا هي في البنكرياس ( خلايا لانكرهانس) فتفرز الانسولين بدرجة كبيرة لمدة محدودة تؤدي الى نضوب السكر بالدم فيصيب الانسان حالة صد لاواعي وسبات وقتي .

او اذا قام العقل عند شخص بالتركيز الذهني الشديد وليعطي ايعازا الى العصبونات المغذية لطرف من الاطراف لكي تصاب بحالة من الشلل وعدم الاحساس لمدة محدودة.

وايضا عند اعتقاد الانسان بانه غير مصاب بمرض ما (سرطان مثلا) ويصر على ذلك وبالتركيز اذهني والادراك الحسي فان ذلك ينعكس على مناعة الجسم التي تزداد الى درجة تتهاجم خلايا السرطان ويشفى المريض تماما.

كما ان الايمان المطلق والصلاة والادراك الحسي والتركيز الذهني قد يعطي للجسم مناعة هائلة لتقاوم الجراثيم التي سببت مرضا التهابيا قيحيا.

ان النظريات اعلاه تحتاج الى اثباتات عليمة رصينة قبل اعتمادها . وان البحوث التي تجرى حاليا في المختبرات وعلى الاشخاص عديدة في كل دول العالم المتقدمة .

ولكن هذا لا يعني ان تسير البحوث والتطوير في مسار الاجهزة العلمية والدوائية لتامين طرق جديدة للسيطرة على الجينات لتقويمها واستبدالها او أي طريقة اخرى تساعد على تعديل خلل صحة الانسان

 

الدكتور

سالم مجيد الشماع

بغداد أيار 2014

«العودة

 


التعليقات :

  1. فتو محمد يقول:

    هل الإشارات التي تستقبلها أغشية الخلية بواسطة مستقبلات تقرأها الجينات وتنقلها للجينات الدفينة تأتي من العقل الباطن أم من البيئة الخارجية؟؟

    • الدكتور سالم مجيد يقول:

      اولا : ان الdna الموجود في نواة الخلية العصبية هو المكان الذي ترسب فيه المعلومات التي اكتسبها الانسان بمرور الوقت وهي مرتبة بطريقة فريدة لكي تسترجع عند الطلب وبعد ان تتشاور مع باقي الخلايا العصبية في الجسم بواسطة المشبكات العصبية لمعرفة تواجد المعلومة هذه
      فكل المعلومات اعلاه هي الذاكرة ..وهي ايضا ما نسميه العقل الباطن

      ثانيا: غشاء الخلية العصبية يعمل كبواب للذاكرة (العقل الباطن) لديه امكنة خاصة لأي معلومة تدخل عن طريق الحواس الخمسة وترسلها الى الdna في الجينات المختصة بالمعلومة وتعمل على تقييمها فان كانت مهمة فتخزن في الdna والا فتهمل

      ثالثا : مثال \ شخص جالس امام بيته وهناك كلب قريب ياكل عظمة , لم يأبه الشخص للموضوع والمعلومة دخلت و رفضت للبقاء في الذاكرة .
      ثم حدث ان صبيا جاء مسرعا باتجاه الكلب الذي لم ينتبه له فوثب الكلب وعض ساق الصبي وهو يزمجر والصبي ينزف ويصيح من الالم …. هنا اصبح الحدث مهم …. الشخص استرجع حادثة العضة بعد ان رسبت في ذاكرته ومعها كل متعلقات الحادث كالكلب وصفاته وماذا كان يفعل ومكان الحادث والصبي وكل المعلومات عنه واي شئ متعلق بالحادث
      شكرا لسؤالكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

 


 

هل لديك سؤال أو تعليق؟



يتم أبدا نشر البريد الإلكتروني الخاص بك