ملاحظات حول طب الاعشاب في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظات حول طب الاعشاب في العراق

 

لم يعد خافياً على احدٍ من المهتمين بطب النباتات وجوازاً “طب الاعشاب” بأن صناعة الادوية في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا…..الخ قد بدأت مؤخراً بتصنيع وطرح ادوية من نباتات….وتلقى هذه الادوية النباتية المنشأ رواجاً كبيراً في الاوساط الشعبية. وكثير من الاشخاص الذين يؤمنون بالعودة الى الطبيعة ليس في تناول تراكيب الادوية العشبية فحسب ولكن ايضاً في الطعام والشراب والابتعاد عن الاطعمة المصنعة والمعلبة والمضاف اليها كثير من المثبتات وغيرها.

وهناك كتب كثيرة جداً – وخاصة التراثية منها – وفي جميع اللغات عن الاعشاب والنباتات الطبية تذكر اوصافها واماكن تواجدها وانواعها وتأثيراتها واسلوب تحضيرها وتناولها والامراض او الاعراض التي تؤثر فيها او تتداوى بها… وقليل منها فقط تلك التي تذكر المواد الفعالة الداخلة في تركيبها وانسجتها التي لها مفعول طبي           ضد الامراض ومصيرها بعد اخذها. فلو نظرنا الى كتب العصور المتوسطة التي بزغت فيها الحضارة العربية الاسلامية لرأينا ان اكثر من 80% من الادوية والعلاجات الطبية مصدرها النباتات واجزاؤها ابتدأً من الجذور الى الاثمار وبذورها… وايضا كانت التجربة والملاحظة والتتبع هي العامل الرئيس باختيار الدواء وطريقة تحضيره واسلوب اخذه ومقدار جرعته ومدة علاجه وطريقة خزنه وكيفية المحافظة على تأثيراته ومدة فاعليته وكيفية التخلص من طعمه او رائحته ان كان غير مقبولاً او ما قد يحصل من اختلاطات باستعماله او ماله من تأثيرات جانبية اخرى غير مطلوبة.

وللظروف الخانقة التي يمر لها العراق…. ومحاولة القوى الغاشمة لتحطيم البنى التحتية ونهب ترواته وتجبره للسيطرة على منابع النفط في الشرق الاوسط وفرض النظام العالمي الجديد ليكون في خدمة الاستعمار الجديد…فإن علينا ان نتعامل مع المعطيات المتاحة لنا وهي – بالطبع – ليست بمستوى الطموح.

والموجود من المعلومات عن النباتات الطبية هو فيض كبير وموثق بكتب تراثنا الغزير واخصهم بالذكر على سبيل الميثال كتاب (الصيدنة في الطب) لابي الريحان محمد بن احمد البيروني استقصى فيه معرفة ماهية الادوية واسماءها واراء المتقدمين بها فرتبه على حروف الهجاء و الموجود نسخة منه في مكتبة جامعة بغداد ومكتبة المتحف العراقي. والبيروني عاصر ابن سينا وتوفي سنة 430هـ/1038م. وكتاب (تذكرة اولي الالباب) لداود بن عمر الانطاكي ولد سنة 950هـ والتذكرة تحتوي على مايزيد على ثلاثة آلاف نبات وعشبة مرتبة حسب الحروف الهجائية تنفع كدواء.

ولكن هذا الفيض الموثق بكتب التراث لا يعطينا الامان الكامل في استعمال هذه الادوية إلا بعد الكشف عليها في كافة الجوانب في المختبرات وعلى الاسس العلمية وبالاجهزة المختبرية من الناحية الفيزياوية والكيمياوية وعلى غرار ما نشاهده ونقراؤه ونطلع عليه في النشرات العلمية للادوية سواء المصنعة او العشبية التي تنتجها شركات الادوية العالمية في الدول المتقدمة ويتطلب الامر – قبل هذا – توثيقاً علمياً بالتجربة السريرية وبالطرق المتعارف عليها.

ولنأخذ مثالاً لنشره موجودة داخل علبة دواء كيمياوي مصنع معروف لشركة معروفة مثل دواء الفولتارين نجد فيها وصف:

* التركيب الكيمياوي.

* الفاعلية.

* التركيز بالدم.

* الاستقلاب.

* الاستطبابات.

* التأثيرات الجانبية والاحتياطات.

* الاشكال الصيدلانية والعبوات.
* شروط التخزين.

* تحذير للمرضى.

* تأريخ الانتاج وانتهاء المفعول.

ولديّ نشرة صغيرة عراقية موجودة في علبة لعشبة البابونج العائدة لصيدلية في بغداد الجديدة تذكر فيه الاسم بالاتيني ثم فاعليته او الاستطبابات والجرعة وطريقة الاستعمال.

ولا ضرورة للتعليق والمقارنة على النشرتين اعلاه.

وللأمانة العلمية يجب ان تذكر ان جهودا عراقية متميزة ومضنية قد صرفت على البحوث الصيدلانية وادت الى طبع كتاب “دليل العلاج بالاعشاب الطبية العراقية” سنة 1996 من منشورات مركز طب الاعشاب العائد لوزارة الصحة.

 ويتبين لقارئه معلومات علمية واضحة لـ 93 دواء عشبي مفرد وعشرة ادوية مركبة. ويذكر لكل دواء عشبي:

* الاسم المحلي واللاتيني والانكليزي.

* فصيلته.

* اماكن تواجده على خريطة العراق.

* صورة للنبة او العشبة.

* الجزء المستعمل في النبتة والمادة الفعالة فيه.

* كمية المادة فيها.

* دواعي الاستعمال وكيفيته.

* الجرعة وطريقة التحضير.

إنها فعلا جهود علمية كبيرة تستحق الثناء…ولكنها مطمورة…لايعرف الاطباء عنها شيئاً إلا عدد قليل ولا يستفاد منها إلا المرضى الذين يراجعون المركز وعددهم كنقطةٍ في بحر…. وبالامكان تضمين هذه النشرة او الكتاب وتدعيمها بالاحصاءات والنتائج السريرية التي قام بها المركز العلاجي لطب الاعشاب….وتعميم ذلك على كافة الاطباء بتوزيعه من خلال نقابة الاطباء عند المراجعة السنوية لاجازة الممارسة بالمجان او بثمن معقول….. سيكون ذلك حافزاً كبيراً للطبيب ان يصف كثيراً من الادوية النباتية والعشبية.

وكذلك ضرورة التوسع في المعلومات عن هذه الادوية النباتية على غرار الادوية الكيمياوية المصنفة. كما يمكن دراسة امكانية طرق استعمال هذه الادوية العشبية عدا النقيع او الغلي او اللبيخة – باستعمال الكبسولات (المحافظة) مثلاً.

لتطوير عملية المعالجة بالنباتات والاعشاب الطبية ينبغي ان نسأل انفسنا:-

1- كيف نصنع دواء نباتياً مفرداً او مركباً يفيد فعلاً ويتصف بسهولة الاستعمال ويقوم مقام او يكون اجدى من الناحية العلاجية وحفظ الصحة من الادوية والمركبات الكيمياوية المصنفة او يكون سنداً لدواء ضد مرض ما.

2- ماهي الامراض والعوارض الصحية الممكن علاجُها او اسنادُ علاجِها بهذه المستحضرات النباتية.

3- كيف نحصل على المواد الخام لهذه المستحضرات وبصورة مستديمة.

 

ان الطرح الذي اود تقديمه يعتمد على :-

1- تقديم معلومات كاملة للاطباء عن اي دواء عشبي مطروح  في الصيدليات لاعطائهم الثقة الكاملة بفعالية هذا الدواء النباتي او العشبي. وهذه القضية هي الحجر الاساس لرواج وتطوير الادوية النباتية.

2- كما ان هذه المعلومات التي تقدم للاطباء يجب ان تكون على قاعدة علمية سليمة مكتوبة اسوة بما تقدمه اية شركةٍ دوائية عالمية من دلائل على فعالية دواء ما.

3- القيام بتوعية اعلامية عن ماهية واهمية التداوي بالنباتات والاعشاب الطبية على النطاق الشعبي بوسائل الاعلام المتاحة حالياً وبصورة مستمرة.

4- استقطاب الاشخاص الذين يتداون بالنبات والاعشاب الطبية وتوعيتهم باستعمال الادوية التي تطرحها وزارة الصحة او الجهات التي تعمل بترخيص منها ومن المنافذ الخاصة لتوجيهاتها.

5- انتقاء عدد من الاطباء المهتمين بطب الاعشاب وخاصة الاختصاصين في مختلف الامراض اضافة الى مركز طب الاعشاب للقيام بتقييم سريري وعلاجي لعدد من الادوية النباتية وبموجب منهج علمي محدد, ليعطي دفعاً قوياً لاستعمال دواء بترشيح من هؤلاء الاطباء لاستعماله من قبل آخرين.

النقاط الخمسة اعلاه تشمل العلمية والاعلام واحدهما مرتبط بالاخر لصورة مباشرة فقد يعطي الاعلام مردوداً جيداً في اول الامر (إذا لم يعتمد العلمية) ولكن مردوده بالاخر سكيون سلبياً وقد يكون العكس صحيحاً.

6- وابتداءً يتحتم القيام بوضع خطة مرحلية موضع التنفيذ باستغلال ما موجود لتعيين الامراض والاعراض المرضية التي تصلح للمعالجة بالنباتات الطبية والابتعاد مرحليا عن الامراض التي لها ادوية ذات خصوصية تقضي على مسبباتها او اعراضها بصورة فعالة مثل مرض التيفوئيد والتدرن ومرض الغدة الدرقية. ولا بأس من استعمال الاعشاب كدواء متمم لادوية هذه الامراض.

7- الابتداء بدراسة تفصيلية لما تم دراسته من نباتات ولما موجود حالياً في دليل العلاج بالاعشاب الطبية العراقية وعلى الاسس العلمية المعمول بها عالمياً.

8- العمل على تحسين الشكل الصيدلاني للدواء النباتي (شراب, حبوب, حقن, كبسولات…..الخ).

9- اعداد خطط مستقبلية توسعية لدراسة ما موجود في التراث من الاف المفردات والوصفات الطبية. والتعامل معها بروح علمية والتي تقتضي حتما توفير الكوادر المتخصصة بمختلف العلوم الاساسية والطبية والصيدلانية والكيماوية وكذلك المختبرات واجهزتها ومتطلباتها.

10- واخلص القول بإن الامر يتجدد بالقيام بالامور الرئيسية التالية:-

أ) البحوث العلمية المختبرية والسريرية

 ب) الاعلام على مستوى الاطباء والناس

ج) الحقول الزراعية للنباتات الطبية بالزراعة النظيفة

 

 

 

شكراً لحسن استماعكم والسلام عليكم

د. سالم مجيد الشماع

حزيران 1999

 

 

 

«العودة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

 


 

هل لديك سؤال أو تعليق؟



يتم أبدا نشر البريد الإلكتروني الخاص بك