نظرة على استعمال الاعشاب الطبية لامراض المعدة في التراث

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة على استعمال الاعشاب الطبية لامراض المعدة في التراث

 

طب الاعشاب قديم قدم الانسان على وجه البسيطة تقدم وتطور على مر الزمن والحضارات ووصل اوجه بعد ان تخلص من تأثير الروحانيات في اوائل العصور الوسطى وإبان الحضارة العربية الاسلامية … وعند اندلاع الثورة الصناعية في اوربا اخذ يتنحى شيئا فشيئا تاركا المجال للأدوية المصنعة لكي تغزو علاج الامراض… وبقى له اثرا في البلدان المتخلفة وكثيراً من البلدان النامية.

ففي كتب عباقرة الطب العربي الاسلامي مئات الوصفات الطبية ذات مفردات دوائية من اصل نباتي واعشاب … ولكن بعد أفول الحضارة العربية الاسلامية وبمرور الوقت ولانتشار الجهل والفقر تحت ظل الحكم العثماني إزداد اعتماد عامة الناس على الخرافات والخزعبلات الطارئه على الطب واقتصر الطب العربي على فعاليات “سوق العطارين” في معظم مدن العرب من المحيط الى الخليج وكان العطارون هم الذين يصنعون ويحضرون الوصفات الطبية.

وبعد كتب ابن سينا والرازي وابن الجزار وداؤد الانطاكي وثابت بن قرة المملوءه بالعلم والمعرفة في الطب,  نجد ان هنالك كتباً عربية انحسر فيها المنطق العلمي, ففي كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفي عام 911هـ والذي قال في مقدمته “انه كتاب مختصر في علم الطب بعد ان هذبه وخلص الصافي من زبد الحقيقة”. وبالرغم من احتوائه على صفاتٍ تندرج فيما كان متعارفاً عليه مأخوذه كما سبق من كتب الطب لاساطين العلم المار ذكرهم إلا انه لا يخلو من وصفات غير دقيقة, فقد كتب السيوطي عن علاج وجع المعدة. يقول: كعلاج وجع المعدة يكتب خاتم بطد المثلث في صحنٍ اخصرٍ بمسكٍ وكافور ويمحى بماءِ وردٍ ونرشُ عليه سذاباً وشبتاً مسحوقين ويُشربُ على الريق بعد تنجيمه ويشفى بإذن الله.

 

قوله جبريل بالحق

عزائيل

د

ط

ب

ميكائيل

جـ

هـ

ز

حـ

ا

و

وله اسرافيل الملك

 

 

إما الرازي المتوفي في 303هـ اي قبل السيوطي بحوالي ستة قرون فقد ذكر في كتابه (المنصوري) ان يعالج المريض المصاب بوجع المعدة حسب المسبب واعراضه… فإن كانت الحالة غير مزمنة وبسطية فيركب له وصفة “اقراص الورد” حيث يؤخذ ورد احمر مطحون ثلاثة دراهم وعود وسنبل ومصطكي وسليخة وفقاح الاذخر ودار صيني وافسنتين من كل واحد درهم ويُقرّص بشرابٍ عتيق ويُسقى كل خدرةٍ مثقالاً ونصف باوقية طبيخ البزور, وصفته ان يؤخذ كمون ونانخواه ويغليان في برفيه حتى يحمَّر الماء ويُشرب الدواء به وليجعل الغذاء من شيءٍ سريع الهضم قليل الرطوبات والفضول مطيباً بالافاويه والاباريز كالقلايا والطباهجات والمطجنات. ويستعمل الرياضة قبل الطعام. ويُقلُ شرب الماء عليه. ويُكثرُ النوم بعده. ويشرب شراباً عتيقاً يسير المقدار صرفاً. ويُنقصُ من جملة الغذاء. وان كانت هذه الاعراض مزمنة فليسقى الكموني والكندري من كل واحد مثقال باوقية شراب عتيق صرف. ويجعل التدبير على ما وصفنا:-

وصفة الكموني: يوخذ كمون كرماني مايه درهم وزنجبيل عشرون درهم وفلفل عشرة دراهم. وورق المسذاب مثله. وبورق الخبز مثله يعجن بعسل ويعطى ان كانت الطبيعة مع ذلك يابسه اما الكندري فيعطى اذا كات الطبيعة لينه ونسخته في باب الخلفه فإن اجزى ذلك وإلا سقي خبث الحديد بالشراب.

وصفته: بزر الكرفس والرازيانج وانسون وكمون ونانخواه وانجدان وسعتر وكاشم وكراويا وفلفل ودار فلفل ودار صيني وكندر وسنبل وقرنفل وجوزبوّا وسعد وزنجبيل من كل واحد مثقال. وخبث الحديد عشرة مثاقيل, يطبخ بستة امثاله شراب حتى يبقى النصف ويشرب كل يوم من ذلك الشراب بعد ان يصفى وزن ثلاثين درهماً ويخفف الغذاء بشراب ويشرب ذلك ثلاث اسابيع ويحمى الحامض والفواكه الرطبة والماء البارد وشرب الشراب باعتدال.

ثم يستمر الرازي على هذا المنوال ويعطي وصفات بديله للمريض الذي لديه اعراض اخرى.

وإذا ما نظرنا فيما كتب ابن الجزار (المتوفي سنة 369هـ) اي بعد الرازي بأكثر من خمسين عاماً, لوجدنا فيه نفس الطريقة العلمية التي اتبعها الرازي واستعمل المفردات الطبية النباتية نفسها مع اضافة بعض المفردات الاخرى مثل ماء الرمان, بزر دجله, طباشير أبيض, صندل ابيض محكوك, اصل اسوس, زعفران, وكبابه, وقاقله, وكافور, وبرناديس, وبزر البقله الحمقاء…..الخ ولكل وصفة طريقة صنعها ومفرداتها وحسب اعراض الوجع ومقام المريض ويطنب ابن الجزار القيرواني في اسباب اوجاع المعدة ويشرح اعراضها ويفرق بن اسباب هذه الاعراض ويصف لكلٍ منها وصفة قد تختلف كثيراً عن بعضها إلا انها تتسم بالعملية ولا عجب فله كتاب في المعدة وامراضها ومداواتِها.

ولكن هذا ليس الامر كله…فكل واحد من اطباءنا في ذلك العصر يعرف ايضاً لماذا يصف اي دواء سواء مفرداً كان ام مركب… ففي تذكره الانطاكي وكتاب القانون في الطب هنالك تعريف واضح لكل مفردة دوائية عشبية او نبايتة وغيرهما ويشمل:

* ما هية  ووصف المفردة النباتية.

* الشكل العام الاوراق, الاغصان, الساق, والجذر.

* انواعها والوانها وتميزها عن مشابهاتها وثمارها واماكن تواجدها.

* فائدتها وطريقة الاستفاده منها.

فلو اخذنا اي وصفة من وصفات الرازي الانفة الذكر وقرأنا ماذا كُتب عن مفرداتها في كُتب اساطين اطباءنا لوجدناها تصبُ في تقوية المعدة والكبد وتطيب المعدة وتذهب الرطوبة العفنة منها وتحللُ وتطرد الرياح والنفخ وتهضم الطعام وتمنع القيء وتُسكن الجشأ بعد الطعام وتسكن الغيثان.

ولنأخذ مثلاً على ذلك ولا بأس ان وقع اختياري على الكمون فالكل يعرفه… ولنرى ماذا كتب عنه الشيخ الرئيس ابن سينا.

يقول: الكمون اصناف كثيرة منها كرماني اسود ومنها فارسي اسود ومنها شامي ومنها نبطي. فالفارسي اقوى من الشامي والنبطي هو الموجود في سائر المواضع ومن الجميع برّي وبستاني, والبري اشد حرافه. ومن البرّي صنف يشبه بزره بزر السوس… له ساق طوله شبر وورقه اربعة او خمسة دقاق, مشقق وله رؤوس صغار واذا شرب بزره نفع من نهش الهوام. فيه قوة مسخنه يطرد الرياح ويحللها والكمون النبطي يسهل البطن وينفع المغص.

هذه نطره بسيطة على تراثنا الطبي للاعشاب… فعلاً أنني اعجب لانقطاع بل لانحسار وتروي علم الطب والمعالجات التي محورها النبات مما كتب ابن سينا والرازي في القرن الرابع الهجري الى ما كتب السيوطي في القرن العاشر الهجري وشتان ما بينهما.

وفي الوقت الحاضر نجد ان من البلدان المتقدمة حضارياً كالمانيا وفرنسا ولربما ايضا في امريكا بدأت موجه جديدة من التوجه الى استعمال ادوية طب الاعشاب كجزء من الحركة التي تدعو الى الرجوع الى الطبيعة وما يتيسر فيها من مواد يستفيد منها الانسان لادامة صحته والمعالجات للحالات البسيطة التي يحتاجها في حياته اليومية.

ما أحرانا نحن العرب ان نأخذ من وصفات طب الاعشاب في تراثنا الفني ونطورها كما بدأت تفعل حاليا وزارة الصحة عندنا وباشرافها وعلى اسس علمية… التي باعتقادي تشمل:

1) وضع دستور لوصفات وتراكيب يقوم الصيدلي بتحضيرها.

2) برامج إعلام متكامل بالنشرات والاذاعة والتلفزيون للخاصة والعامة.

ما لم نفعل… فقد نضطر يوما الى استيراد ادوية الاعشاب الطبية من العالم الغربي كما نفعل في غيرها من متطلبات حياتنا اليومية في المأكل والملبس والصحة والصناعة والزراعة.

وختاماً استذكر ما قاله ابن الجزار القيرواني عن عالم الطب اذ يقول “لا دليل على سعة علم من يدعي هذه الصناعة الشريفة اكثر من اظهاره وشرح غوامضه وبذله لعامة الناس فضلا عن خاصتهم”

 

شكرا لحسن استماعكم والسلام عليكم

الدكتور سالم مجيد الشماع

«العودة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

 


 

هل لديك سؤال أو تعليق؟



يتم أبدا نشر البريد الإلكتروني الخاص بك